وَمَا مِنْ وَقْتٍ صَدَرَ فِيهِ الْفِعْلُ إلَّا وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُمْكِنًا. وَإِذَا كَانَ مُمْكِنًا فَمَا الْمُوجِبُ لِتَخْصِيصِ حَالِ الْفِعْلِ بِالْخَلْقِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَتَنَاهَى؟ . وَأَيْضًا فَالْأَزَلُ مَعْنَاهُ: عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ لَيْسَ الْأَزَلُ شَيْئًا مَحْدُودًا فَقَوْلُنَا: لَمْ يَزَلْ قَادِرًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا: هُوَ قَادِرٌ دَائِمًا وَكَوْنُهُ قَادِرًا وَصْفٌ دَائِمٌ لَا ابْتِدَاءَ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ مَا شَاءَ يَقْتَضِي دَوَامَ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وَفَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِذَا ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي قِدَمَ شَيْءٍ مَعَهُ كَانَ مِنْ فَسَادِ تَصَوُّرِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ فَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ فَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ قَدِيمٌ بِقِدَمِهِ. وَإِذَا قِيلَ: لَمْ يَزَلْ يَخْلُقُ كَانَ مَعْنَاهُ لَمْ يَزَلْ يَخْلُقُ مَخْلُوقًا بَعْدَ مَخْلُوقٍ كَمَا لَا يَزَالُ فِي الْأَبَدِ يَخْلُقُ مَخْلُوقًا بَعْدَ مَخْلُوقٍ نَنْفِي مَا نَنْفِيهِ مِنْ الْحَوَادِثِ وَالْحَرَكَاتِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا وَصْفُهُ بِدَوَامِ الْفِعْلِ لَا بِأَنَّ مَعَهُ مَفْعُولًا مِنْ الْمَفْعُولَاتِ بِعَيْنِهِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ نَوْعَهَا لَمْ يَزَلْ مَعَهُ فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ لَمْ يَنْفِهَا شَرْعٌ وَلَا عَقْلٌ بَلْ هِيَ مِنْ كَمَالِهِ قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وَالْخَلْقُ لَا يَزَالُونَ مَعَهُ وَلَيْسَ فِي كَوْنِهِمْ لَا يَزَالُونَ مَعَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا يُنَافِي كَمَالِهِ وَبَيْنَ الْأَزَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْمَاضِي حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ إذْ كَانَ كُلُّ مَخْلُوقٍ فَلَهُ ابْتِدَاءٌ وَلَا نَجْزِمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ انْتِهَاءٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute