للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: كَانَ فِي الْأَزَلِ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ فِيمَا لَا يَزَالُ كَانَ هَذَا كَلَامًا مُتَنَاقِضًا لِأَنَّهُ فِي الْأَزَلِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ فِي الْأَزَلِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ؛ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَادِرًا وَبَيْنَ كَوْنِ الْمَقْدُورِ مُمْتَنِعًا جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَإِنَّهُ فِي حَالِ امْتِنَاعِ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا. وَأَيْضًا يَكُونُ الْفِعْلُ يَنْتَقِلُ مِنْ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا إلَى كَوْنِهِ مُمْكِنًا بِغَيْرِ سَبَبٍ مُوجِبٍ يُحَدِّدُ ذَلِكَ وَعَدَمٍ مُمْتَنِعٍ. وَأَيْضًا فَمَا مِنْ حَالٍ يُقَدِّرُهَا الْعَقْلُ إلَّا وَالْفِعْل فِيهَا مُمْكِنٌ وَهُوَ قَادِرٌ وَإِذَا قُدِّرَ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا شَاءَهُ اللَّهُ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ قَادِرًا وَالْفِعْلُ مُمْكِنًا؛ وَلَيْسَ لِقُدْرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ أَوَّلَ فَلَمْ يَزَلْ قَادِرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ فَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ قَطُّ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْأَزَلِ وَالْأَزَلُ لَيْسَ شَيْئًا مَحْدُودًا يَقِفُ عِنْدَهُ الْعَقْلُ بَلْ مَا مِنْ غَايَةٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا تَقْدِيرُ الْفِعْلِ إلَّا وَالْأَزَلُ قَبْلَ ذَلِكَ بِلَا غَايَةٍ مَحْدُودَةٍ حَتَّى لَوْ فُرِضَ وُجُودُ مَدَائِنَ أَضْعَافِ مَدَائِنِ الْأَرْضِ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِنْ الْخَرْدَلِ مَا يَمْلَؤُهَا؛ وَقُدِّرَ إنَّهُ كُلَّمَا مَضَتْ أَلْفُ أَلْفُ سَنَةٍ فَنِيَتْ خَرْدَلَةٌ فَنَى الْخَرْدَلُ كُلُّهُ وَالْأَزَلُ لَمْ يَنْتَهِ وَلَوْ قُدِّرَ أَضْعَافُ ذَلِكَ أَضْعَافًا لَا يَنْتَهِي. فَمَا مِنْ وَقْتٍ يُقَدَّرُ إلَّا وَالْأَزَلُ قَبْلَ ذَلِكَ.