للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَحْنُ نُسَمِّي تِلْكَ الْأُمُورَ مَجَازًا بِخِلَافِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: فَهَذَا اصْطِلَاحٌ هُمْ فِيهِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ مِمَّنْ جَعَلَ أَكْثَرَ كَلَامِ الْعَرَبِ مَجَازًا كَمَا يُحْكَى عَنْ ابْنِ جِنِّيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ: خَرَجَ زَيْدٌ: مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْخُرُوجِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا حَصَلَ مِنْهُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْخُرُوجِ؛ هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ: فَإِنْ أُرِيدَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْخُرُوجِ فَهُوَ مَجَازٌ. فَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَقُولُهُ مَنْ يَتَصَوَّرُ مَا يَقُولُ وَابْنُ جِنِّيٍّ لَهُ فَضِيلَةٌ وَذَكَاءٌ؛ وَغَوْصٌ عَلَى الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ فِي سِرِّ الصِّنَاعَةِ وَالْخَصَائِصِ وَإِعْرَابِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا الْكَلَامُ إنْ كَانَ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ أَشْبَهُ بِفَضِيلَتِهِ وَإِذَا قَالَهُ فَالْفَاضِلُ قَدْ يَقُولُ مَا لَا يَقُولُهُ إلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِقَيْدِ الْعُمُومِ بَلْ وَلَا بِقَيْدِ آخَرَ. فَإِذَا قِيلَ: خَرَجَ زَيْدٌ؛ وَقَامَ بَكْرٌ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَالْفِعْلُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ مُسَمَّى خُرُوجٍ؛ وَمُسَمَّى قِيَامٍ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَى نَوْعِ ذَلِكَ الْخُرُوجِ وَالْقِيَامِ وَلَا عَلَى قَدْرِهِ بَلْ هُوَ صَالِحٌ لِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فَإِنَّهُ أَوْجَبَ رَقَبَةً وَاحِدَةً؛ لَمْ يُوجِبْ كُلَّ رَقَبَةٍ؛ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ