للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ: فَاَللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي آيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِذَا كَانَ الْمُنَافِقُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ مُجَاهَدَتُهُ؟.

قِيلَ مَا يَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ مِنْ إيمَانٍ وَنِفَاقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مُوجِبُهُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} . فَإِذَا أَظْهَرَ الْمُنَافِقُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ عُوقِبَ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ بَاطِنِهِ بِلَا حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَنْ عَرَّفَهُ اللَّهُ بِهِمْ وَكَانُوا يَحْلِفُونَ لَهُ وَهُمْ كَاذِبُونَ؛ وَكَانَ يَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إلَى اللَّهِ. وَأَسَاسَ النِّفَاقِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا بُدَّ أَنْ تَخْتَلِفَ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ وَظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَلِهَذَا يَصِفُهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالْكَذِبِ كَمَا يَصِفُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصِّدْقِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} . وَقَالَ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} . وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وَقَالَ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} - إلَى قَوْلِهِ - {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . وَ " بِالْجُمْلَةِ " فَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْكُفْرَ " نَوْعَانِ ": كُفْرٌ ظَاهِرٌ