للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِيهِ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَوَّلًا وَكَانَ هَذَا مَكَانٌ يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ حِرَاءَ أَعْلَى جَبَلٍ كَانَ هُنَاكَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَى مَكَّةَ مَرَّاتٍ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ بِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِضْعَ عَشْرَةَ سُنَّةً وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إلَى حِرَاءَ. وَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَلَمْ يَسْتَلِمْ الشَّامِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبْنَيَا عَلَى قَوَاعِدَ إبْرَاهِيمَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَجَرِ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ وَالْيَمَانِيُّ اسْتَلَمَهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهُ وَصَلَّى بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَسْتَلِمْهُ وَلَمْ يُقَبِّلْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّمَسُّحَ بِحِيطَانِ الْكَعْبَةِ غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَتَقْبِيلَ شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَيْسَ بِسُنَّةِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْتِلَامَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَتَقْبِيلَهُ لَيْسَ بِسُنَّةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا نَفْسَ الْكَعْبَةِ وَنَفْسَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ بِهَا فَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ حُرْمَتُهَا دُونَ الْكَعْبَةِ وَأَنَّ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا وَسَائِرَ مَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ الْمَقَامِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَعُلِمَ أَنَّ سَائِرَ الْمَقَامَاتِ لَا تُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ فِيهَا كَمَا لَا يُحَجُّ إلَى سَائِرِ الْمَشَاهِدِ وَلَا يُتَمَسَّحُ بِهَا وَلَا يُقَبَّلُ شَيْءٌ مِنْ مَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا الْمَسَاجِدُ وَلَا الصَّخْرَةُ وَلَا غَيْرُهَا وَلَا يُقَبَّلُ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ.