لَحَظُوا صِفَاتٍ ثَابِتَةً فِي الْعِلَّةِ وَالدَّلِيلِ. وَهُوَ وَصْفُ التَّمَامِ أَوْ مُجَرَّدُ الِاقْتِضَاءِ فَكَانَ مَا اعْتَبَرَهُ أُولَئِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ وَالْعَقْلِ مِمَّا اعْتَبَرَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَرْجِعُوا إلَّا إلَى مُجَرَّدِ التَّحَكُّمِ. وَلِهَذَا كَانَ الْعُقَلَاءُ الْعَارِفُونَ يَصِفُونَ مَنْطِقَهُمْ بِأَنَّهُ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ وَضَعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْيُونَانِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعُقَلَاءُ؛ وَلَا طَلَبُ الْعُقَلَاءِ لِلْعِلْمِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ كَمَا لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى التَّعْبِيرِ بِلُغَاتِهِمْ مِثْلَ: فيلاسوفيا؛ وسوفسطيقا وأنولوطيقا وأثولوجيا وقاطيغورياس وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ لُغَاتِهِمْ الَّتِي يُعَبِّرُونَ بِهَا عَنْ مَعَانِيهِمْ فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ سَائِرَ الْعُقَلَاءِ مُحْتَاجُونَ إلَى هَذِهِ اللُّغَةِ. لَا سِيَّمَا مَنْ كَرَّمَهُ اللَّهُ بِأَشْرَفِ اللُّغَاتِ الْجَامِعَةِ لِأَكْمَلِ مَرَاتِبِ الْبَيَانِ الْمُبَيِّنَةِ لِمَا تَتَصَوَّرُهُ الْأَذْهَانُ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ وَأَكْمَلِ تَعْرِيفٍ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو سَعِيدٍ السيرافي فِي مُنَاظَرَتِهِ الْمَشْهُورَةِ " لمتى " الْفَيْلَسُوفِ؛ لَمَّا أَخَذَ " متى " يَمْدَحُ الْمَنْطِقَ وَيَزْعُمُ احْتِيَاجَ الْعُقَلَاءِ إلَيْهِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ بِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَأَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَدْعُو إلَى تَعَلُّمِ الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ فِطْرِيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى اصْطِلَاحٍ خَاصٍّ بِخِلَافِ اللُّغَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ الْمَعَانِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعَلُّمِ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَعَلُّمُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَلَيْهَا فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ الْمَنْطِقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute