وَإِنْ جَزَمَ بِوُجُودِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَقْبَلٌ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ. فَقَوْلُنَا: يَكُونُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ حَقٌّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَاللَّفْظُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّعْلِيقُ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ التَّعْلِيقِ الشَّكُّ. بَلْ هَذَا بِحَسَبِ عِلْمِ الْمُتَكَلِّمِ فَتَارَةً يَكُونُ شَاكًّا وَتَارَةً لَا يَكُونُ شَاكًّا؛ فَلَمَّا كَانَ الشَّكُّ يَصْحَبُهَا كَثِيرًا لِعَدَمِ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِالْعَوَاقِبِ ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّ الشَّكَّ دَاخِلٌ فِي مَعْنَاهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
فَقَوْلُهُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ} لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شَكٌّ مِنْ اللَّهِ؛ بَلْ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ الْمُخَاطَبِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَلِهَذَا قَالَ ثَعْلَبٌ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اللَّهِ وَقَدْ عَلِمَهُ وَالْخَلْقُ يَسْتَثْنُونَ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّ إنْ بِمَعْنَى إذْ أَيْ: إذْ شَاءَ اللَّهُ وَمَقْصُودُهُ بِهَذَا تَحْقِيقُ الْفِعْلِ بـ (إنْ) كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ إذْ. وَإِلَّا فَإِذْ ظَرْفُ تَوْقِيتٍ و (إنْ) حَرْفُ تَعْلِيقٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ فَأْتِنِي وَلَا تَقُولُ: إنْ احْمَرَّ الْبُسْرُ. قِيلَ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَوْقِيتُ الْإِتْيَانِ بِحِينِ احْمِرَارِهِ فَأَتَوْا بِالظَّرْفِ الْمُحَقِّقِ وَلَفْظِ: (إنْ لَا يَدُلُّ عَلَى تَوْقِيتٍ بَلْ هِيَ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ تَقْتَضِي ارْتِبَاطَ الْفِعْلِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يَقُولُوا: الْبُسْرُ يَحْمَرُّ وَيَطِيبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا حَقٌّ فَهَذَا نَظِيرُ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَرُّوا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَجَعَلُوا الِاسْتِثْنَاءَ لِأَمْرِ مَشْكُوكٍ فِيهِ فَقَالَ الزَّجَّاجُ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} أَيْ: أَمَرَكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute