وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ احْتَجَّ مَنْ احْتَجَّ عَلَى مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنِيِّ أَنَّ النَّاسَ لَا يَزَالُونَ يَحْتَلِمُونَ فِي الْمَنَامِ فَتُصِيبُ الْجَنَابَةُ أَبْدَانَهُمْ وَثِيَابَهُمْ فَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا لَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْ مَنِيٍّ لَا فِي بَدَنِهِ وَلَا فِي ثِيَابِهِ وَقَدْ أَمَرَ الْحَائِضَ أَنْ تَغْسِلَ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ ثَوْبِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ إصَابَةَ الْجَنَابَةِ ثِيَابَ النَّاسِ أَكْثَرُ مِنْ إصَابَةِ دَمِ الْحَيْضِ ثِيَابَ النِّسَاءِ فَكَيْفَ يُبَيِّنُ هَذَا لِلْحَائِضِ وَيَتْرُكُ بَيَانَ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْعَامِّ؟ مَعَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَثَبَتَ عَنْهَا أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْرُكُهُ فَكَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا أَيْضًا أَنَّ الْغُسْلَ يَكُونُ لِقَذَارَتِهِ كَمَا قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: أَمِطْهُ عَنْك وَلَوْ بإذخرة فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ مُسْتَقِيمَةً فَمِثْلُهَا يُقَالُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ لَمْسِ النِّسَاءِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَمْسِهِنَّ لِشَهْوَةِ فِي التوضي مِنْهُ اجْتِهَادٌ وَتَنَازُعٌ قَدِيمٌ وَأَمَّا لَمْسُهُنَّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَكَمَا تَرَى. وَكَذَلِكَ الِاغْتِسَالُ مِنْ الْجَنَابَةِ؛ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَد بَلْ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْهُ: اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ مَنْ نَقَلَ غُسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَعَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّهُ غَسَلَ بَدَنَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute