للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ {إنَّمَا جُعِلَ السَّعْيُ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِي وَغَيْرُهُمَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا لَهُ حِكْمَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ لَا حِكْمَةَ؛ بَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ وَابْتِلَاءٌ مَحْضٌ. وَأَمَّا فِعْلُ مَأْمُورٍ فِي الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ وَلَا حِكْمَةٌ إلَّا مُجَرَّدَ الطَّاعَةِ وَالْمُؤْمِنُونَ يَفْعَلُونَهُ فَهَذَا لَا أَعْرِفُهُ بَلْ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نُسِخَ بَعْدَ الْعَزْمِ كَمَا نُسِخَ إيجَابُ الْخَمْسِينَ صَلَاةً إلَى خَمْسٍ. و " الْمُعْتَزِلَةُ " تُنْكِرُ الْحِكْمَةَ النَّاشِئَةَ مِنْ نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزُوا النَّسْخَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرُهُمْ كَأَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ كَاشِفٌ عَنْ حُسْنِ الْفِعْلِ الثَّابِتِ فِي نَفْسِهِ لَا مُثْبِتٌ لِحُسْنِ الْفِعْلِ وَأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِحُسْنِ وَغَلِطُوا فِي الْمُقَدَّمَتَيْنِ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَاشِفًا عَنْ حُسْنِ الْفِعْلِ فَالْفِعْلُ بِالْأَمْرِ يَصِيرُ لَهُ حُسْنٌ آخَرُ غَيْرُ الْحُسْنِ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الْآمِرِ الِامْتِحَانَ لِلطَّاعَةِ فَقَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَيْسَ بِحُسْنِ فِي نَفْسِهِ وَيَنْسَخُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ طَاعَةِ الْمَأْمُورِ وَعَزْمِهِ وَانْقِيَادِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا. وَالْجَهْمِيَّة تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلِ حِكْمَةٌ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي نَفْسِ