للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ} لِأَنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَاتِ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ السَّيِّئَاتِ. " قُلْت ": وَتَكْرِيهُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي إلَيْهِمْ يَسْتَلْزِمُ حُبَّ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَاتِ مَعْصِيَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا إنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِضِدِّهَا فَيَكُونُ مُحِبًّا لِضِدِّهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ؛ إذْ الْقَلْبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إرَادَةٍ فَإِذَا كَانَ يَكْرَهُ الشَّرَّ كُلَّهُ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ الْخَيْرَ. وَالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا. وَلَا يَكُونُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ إلَّا بِإِرَادَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ وَمُرَّةُ} . وَقَوْلُهُ أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ هَمَّامٌ حَارِثٌ وَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ. وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ - وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ - وَهُوَ حَيَوَانٌ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ؛ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا قَصْدُهُ. وَكُلُّ مَقْصُودٍ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِغَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ مُنْتَهَى مَقْصُودِهِ وَمُرَادِهِ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ إلَهُهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا سِوَاهُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ؛ فَإِنَّ إرَادَتَهُ تَنْتَهِي إلَى إرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَيُثَابُ عَلَى مُبَاحَاتِهِ الَّتِي يَقْصِدُ الِاسْتِعَانَةَ بِهَا عَلَى الطَّاعَةِ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةً} . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنَّهُ {قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا