رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وَلَا أَنْ يُقَنِّطَ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إنَّ الْفَقِيهَ كُلَّ الْفَقِيهِ الَّذِي لَا يُؤَيِّسُ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا يُجَرِّئُهُمْ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ.
وَالْقُنُوطُ يَكُونُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ. إمَّا لِكَوْنِهِ إذَا تَابَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَيَغْفِرُ ذُنُوبَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَقُولَ نَفْسُهُ لَا تُطَاوِعُهُ عَلَى التَّوْبَةِ؛ بَلْ هُوَ مَغْلُوبٌ مَعَهَا وَالشَّيْطَانُ قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَيْأَسُ مِنْ تَوْبَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا تَابَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهَذَا يَعْتَرِي كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ. وَالْقُنُوطُ يَحْصُلُ بِهَذَا تَارَةً وَبِهَذَا تَارَةً: فَالْأَوَّلُ {كَالرَّاهِبِ الَّذِي أَفْتَى قَاتِلَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ فَقَتَلَهُ وَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ دُلَّ عَلَى عَالِمٍ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَأَفْتَاهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ} . وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَالثَّانِي كَاَلَّذِي يَرَى لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا كَثِيرَةً وَيُقَالُ لَهُ لَهَا شُرُوطٌ كَثِيرَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَيَيْأَسُ مِنْ أَنْ يَتُوبَ.
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْعَبْدِ هَلْ يَصِيرُ فِي حَالٍ تَمْتَنِعُ مِنْهُ التَّوْبَةُ إذَا أَرَادَهَا. وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ التَّوْبَةَ مُمْكِنَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَمُمْكِنٌ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ وَقَدْ فَرَضُوا فِي ذَلِكَ مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً وَمَنْ تَوَسَّطَ جَرْحَى فَكَيْفَمَا تَحَرَّكَ قَتَلَ بَعْضَهُمْ. فَقِيلَ هَذَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى التَّوْبَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا إذَا تَابَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute