للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَعْلَمُونَ مُرَادَهُ بَلْ غَالِبُ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ فَضْلًا عَنْ الْحَدِيثِ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ أَصْلًا. فَمَنْ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَعْرِفُ مَعَانِيَهُ وَلَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَلَا مَعَانِيَهُ مِنْ أَيْنَ يَكُونُ عَارِفًا بِالْحَقَائِقِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الرَّسُولِ وَإِذَا تَدَبَّرَ الْعَاقِلُ وَجَدَ الطَّوَائِفَ كُلَّهَا كُلَّمَا كَانَتْ الطَّائِفَةُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْرَبَ كَانَتْ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَعْرَفَ وَأَعْظَمَ عِنَايَةً وَإِذَا كَانَتْ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ أَبْعَدَ كَانَتْ عَنْهُمَا أَنْأَى حَتَّى تَجِدَ فِي أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ بَلْ رُبَّمَا ذُكِرَتْ عِنْدَهُ آيَةٌ فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَرُبَّمَا قَالَ: لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَا وَتَكُونُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ ذَلِكَ عَجَائِبُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْنَا أَكْثَرُ. وَحَدَّثَنِي: ثِقَةٌ أَنَّهُ تَوَلَّى مَدْرَسَةَ مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ بِمِصْرِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ رَجُلٌ يُسَمَّى شَمْسَ الدِّينِ الأصبهاني شَيْخَ الأيكي فَأَعْطَوْهُ جُزْءًا مِنْ الرَّبْعَةِ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {المص} حَتَّى قِيلَ لَهُ: أَلِفٌ لَامٌ مِيمٌ صَادٌ.

فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْحُكُومَةَ الْعَادِلَةَ لِيَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ الَّذِينَ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَيَعْدِلُونَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ جَهَلَةٌ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ بِلَا رَيْبٍ. وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ " ابْنِ أَبِي قتيلة " أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْدَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: قَوْمُ سَوْءٍ. فَقَامَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ. وَدَخَلَ بَيْتَهُ. فَإِنَّهُ عَرَفَ مَغْزَاهُ.