للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} فَالسَّمَوَاتُ فَوْقَهَا الْعَرْشُ وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ وَلَيْسَ إذَا قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} يَعْنِي جَمِيعَ السَّمَوَاتِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ أَعْلَى السَّمَوَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ السَّمَوَاتِ فَقَالَ: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَمْلَأُ السَّمَوَاتِ جَمِيعًا؟ وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا دَعَوْا نَحْوَ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ لَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ نَحْوَ الْعَرْشِ.

وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة والحرورية: أَنَّ مَعْنَى اسْتَوَى اسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ وَأَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ وَذَهَبُوا فِي الِاسْتِوَاءِ إلَى الْقُدْرَةِ فَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْأَرْضُ فَاَللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحُشُوشِ والأخلية فَلَوْ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَعَلَى الْحُشُوشِ والأخلية بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ الِاسْتِيلَاءُ الَّذِي هُوَ عَامٌّ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا عَنْ الْأَشْعَرِيِّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِهِ كَابْنِ فورك وَالْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي " تَبْيِينِ كَذِبِ الْمُفْتَرِي فِيمَا يُنْسَبُ