فَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ: إنَّهُ لَا يَفْعَلُ الْأَشْيَاءَ بِالْأَسْبَابِ؛ بَلْ يَفْعَلُ عِنْدَهَا لَا بِهَا وَلَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةِ وَلَا فِي الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَا لِأَجْلِهِ كَانَتْ حَسَنَةً وَلَا الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مَا لِأَجْلِهِ كَانَتْ سَيِّئَةً فَهَذَا مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ السَّلَفِ.
وَأَوَّلُ مَنْ قَالَهُ فِي الْإِسْلَامِ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ الَّذِي أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَتِهِ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ وَالطَّبَائِعَ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ كَلَامِ اللَّهِ وَإِنْكَارِ رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي إبْطَالِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ} فَسَلَبَ النَّارَ طَبِيعَتَهَا. وَقَوْلِهِ: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا} وَقَوْلِهِ: {حَتَّى إذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} فَأَخْبَرَ أَنَّ الرِّيَاحَ تُقِلُّ السَّحَابَ أَيْ تَحْمِلُهُ فَجَعَلَ هَذَا الْجَمَادَ فَاعِلًا بِطَبْعِهِ. وَقَالَ: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ} فَجَعَلَهَا فَاعِلَةً بِطَبْعِهَا. وَقَوْلِهِ: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} وَهُوَ الْكَثِيرُ الْمَنْفَعَةِ وَالزَّوْجُ الصِّنْفُ. وَالْأَدِلَّةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ يُخْبِرُ فِيهَا أَنَّهُ يَخْلُقُ بِالْأَسْبَابِ وَالْحُكْمِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ وَأَنَّهُ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا فَلَا يَضَعُ شَيْئًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ كَمَا قَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ} الْآيَةَ. وَقَالَ: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ وَقَالَ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute