للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -::

الِاسْتِدْلَالُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ بِدْعَةً عَلَى كَرَاهِيَتِهِ (*) قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ عَامَّةٌ وَتَمَامُهَا بِالْجَوَابِ عَمَّا يُعَارِضُهَا.

فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْبِدَعُ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ لِقَوْلِ عُمَرَ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ وَبِأَشْيَاءَ أُحْدِثَتْ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَتْ مَكْرُوهَةً: لِلْأَدِلَّةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ. وَرُبَّمَا ضُمَّ إلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ أُصُولَ الْعِلْمِ مَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْعَادَةِ؛ بِمَنْزِلَةِ مَنْ إذَا قِيلَ لَهُمْ: {تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}. وَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى عِلْمٍ أَوْ عِبَادَةٍ بِحُجَجِ لَيْسَتْ مِنْ أُصُولِ الْعِلْمِ وَقَدْ يُبْدِي ذووا الْعِلْمِ لَهُ مُسْتَنَدًا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا وَعَمَلَهُ بِهَا: لَيْسَ مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا يَذْكُرُهَا دَفْعًا لِمَنْ يُنَاظِرُهُ. وَالْمُجَادَلَةُ الْمَحْمُودَةُ: إنَّمَا هِيَ إبْدَاءُ الْمَدَارِكِ الَّتِي هِيَ مُسْتَنَدُ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ


(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٢٩ - ٣٢):
" وهذه الرسالة مستلة - مع اختصار وترتيب - من (الاقتضاء) ٢/ ٥٨٢ - ٥٨٨، والذي يظهر أنها ليست من عمل الشيخ رحمه الله، وإنما استلها بعض تلاميذه أو محبيه، وقام باختصارها وترتيبها، وإليك مقابلة النصين:
[الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته: (قاعدة عامة عظيمة، وتمامها بالجواب عما يعارضها، وذلك أن من الناس من يقول: البدع تنقسم إلى قسمين: حسنة، وقبيحة؛ بدليل قول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح: " نعمت البدعة هذه " وبدليل أشياء من الأقوال والأفعال أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست بمكروهة، أو هي حسنة؛ للأدلة الدالة على ذلك من الإجماع أو القياس.
وربما يضم إلى ذلك مَنْ لم يحكم أصول العلم، ما عليه كثير من الناس من كثير من العادة]
[بمنزلة من إذا قيل لهم: " تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ".
وما أكثر من يحتج به من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم].
[وقد يبدي ذووا العلم له مستندا من الأدلة الشرعية، والله يعلم أن قوله لها وعمله بها: ليس مستندا إلى ذلك؛ وإنما يذكرها دفعا لمن يناظره.
والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال وأما إظهار غير ذلك فنوع من النفاق في العلم والعمل].
[وهذه " قاعدة " دلت عليها السنة والإجماع مع الكتاب، قال الله تعالى: " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ".
فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو بفعله من غير أن يشرعه الله: فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله، وقد يغفر له لأجل تأويل إذا كان مجتهدا: الاجتهاد الذي يعفى فيه عن المخطئ لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما قال تعالى: " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ". فمن أطاع أحدا في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب؛ فقد لحقه من هذا الذم نصيب، كما يلحق الآمر الناهي. ثم قد يكون كل منهما معفوا عنه فيتخلف عنه الذم لفوات شرطه أو لوجود مانعه، وإن كان المقتضي له قائما ويلحق الذم من تبين له الحق؛ فتركه أو من قصر في طلبه فلم يتبين له أو عرض عن طلبه لهوى، أو لكسل أو نحو ذلك.
وأيضا، فإن الله عاب على المشركين شيئين:
أحدهما أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.
الثاني: تحريمهم ما لم يحرمه الله عليهم، كما بينه صلى الله عليه وسلم في حديث عياض [عند] مسلم، وقال تعالى: " سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ " فجمعوا بين الشرك والتحريم والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها إن المشركين يزعمون أن عبادتهم إما واجبة، وإما مستحبة: ثم منهم من عبد غير الله ليتقرب به إلى الله، ومنهم من ابتدع دينا عبد به الله، كما أحدثت النصارى من العبادات.
وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذين، إما اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم ما لم يحرمه الله.
ولهذا كان الأصل الذي بنى عليه أحمد وغيره مذاهبهم: أن الأعمال (عبادات وعادات)؛ فالأصل في العبادات: لا يشرع منها إلا ما شرعه الله؛ والأصل في العادات: لا يحظر منها إلا ما حظره الله. وهذه المواسم المحدثة إنما نهي عنها لما أحدث فيها من الدين الذي يتقرب به].