الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ وَالْمَوَادُّ وَالصُّوَرُ إنَّمَا وُجُودُهَا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَأَمَّا " الصِّنْفُ الثَّالِثُ " الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ وَالْغَنِيِّ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى غَيْرِهِ وَالْفَقِيرِ الَّذِي لَا قِوَامَ لَهُ إلَّا بِالْغَنِيِّ فَقَالُوا: كُلُّ مَا قَارَنَ الْحَوَادِثَ مِنْ الْمُمْكِنَات فَهُوَ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مَرْبُوبٌ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا هُوَ فَقِيرٌ مُمْكِنٌ مَرْبُوبٌ شَيْءٌ قَدِيمٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ تُقَارِنَهُ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا؛ وَلِهَذَا كَانَتْ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا " الرَّبُّ تَعَالَى " إذَا قِيلَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ أَوْ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لِمَا يَشَاءُ لَمْ يَكُنْ دَوَامُ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَدَوَامُ كَوْنِهِ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مُمْتَنِعًا؛ بَلْ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ فَالرَّبُّ أَحَقُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْكَلَامِ مِنْ كُلِّ مَوْصُوفٍ بِالْكَلَامِ؛ إذْ كَلُّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ الْوَاجِبَ الْخَالِقَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْمُحْدَثِ الْمُمْكِنِ الْمَخْلُوقِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْخَالِقِ وَمَا جَازَ اتِّصَافُهُ بِهِ مِنْ الْكَمَالِ وَجَبَ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ لَهُ لَكَانَ إمَّا مُمْتَنِعًا وَهُوَ مُحَالٌ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَإِمَّا مُمْكِنًا فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالرَّبُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute