للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَكِنَّ عِبَادَتَهُ لَا تَكُونُ إلَّا بِمَا شَرَعَهُ. فَلَوْ قَالَ: لَا أَعْبُدُ عِبَادَتكُمْ وَلَا تَعْبُدُونَ عِبَادَتِي فَقَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ تَدْخُلُ فِيهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ تُخَالِفُ صُورَتُهَا صُورَةَ عِبَادَتِهِ. وَإِنَّمَا الْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَعْبُودِ وَعِبَادَتِهِ.

فَصْلٌ:

إذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَنَقُولُ: الْقُرْآنُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ وَهُوَ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي آدَمَ لَهُ عِلْمٌ أَوْ حِكْمَةٌ أَوْ خُطْبَةٌ أَوْ قَصِيدَةٌ أَوْ مُصَنَّفٌ فَهَذَّبَ أَلْفَاظَ ذَلِكَ وَأَتَى فِيهِ بِمِثْلِ هَذَا التَّغَايُرِ لَعُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى سُدًى. فَكَيْفَ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ فِيهِ {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} . فَنَقُولُ: الْفِعْلُ الْمُضَارِعُ هُوَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ الزَّمَنَ الدَّائِمَ سِوَى الْمَاضِي فَيَعُمُّ الْحَاضِرَ وَالْمُسْتَقْبَلَ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَبَنُوهُ لِمَا مَضَى مِنْ