فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ تَنَازَعُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ. فَقِيلَ: إنْ شَاءَ الزَّوْجُ طَلَّقَ طَلَاقًا بَائِنًا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ. وَإِنْ شَاءَ أَثْبَتَهَا. وَإِنْ شَاءَ نَفَاهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَد. وَأَظُنُّهُ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ ابْتِدَاءً بَلْ إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ الْإِبَانَةَ مَلَكَ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا الخرقي. وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا بِلَا عِوَضٍ؛ بَلْ سَوَاءٌ طَلَبَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا إلَّا بِعِوَضِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَة ودَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النُّقُولِ الثَّابِتَةِ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ الطَّلَاقَ إلَّا رَجْعِيًّا وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ مِنْ الثَّلَاثِ؛ إلَّا بِعِوَضِ لَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بَلْ كُلُّ فُرْقَةٍ تَكُونُ بَائِنَةً فَلَيْسَتْ مِنْ الثَّلَاثِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ يَصِحُّ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَجَمِ لَفْظٌ يُفَرِّقُ مَعَ الْعِوَضِ بَيْنَ مَا هُوَ خُلْعٌ وَمَا هُوَ طَلَاقٌ لَيْسَ بِخُلْعِ؛ وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَا يَخْتَصُّ بِالْخُلْعِ مِنْ دُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ وَطَلَبِ الْمَرْأَةِ الْفُرْقَةَ. فَلَفْظُ الطَّلَاقِ يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ كَقَوْلِهِمْ: طَلَّقْت الدُّنْيَا وَطَلَّقْت وُدَّك. وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ كَمَا تَقُولُ أَنْتِ: طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ طَالِقٌ مِنْ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute