للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِأَمْرِ إلَّا وَقَدْ خَلَقَ سَبَبَهُ وَمُقْتَضِيَهُ فِي جِبِلَّةِ الْعَبْدِ وَجَعَلَهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَفِيهِ صَلَاحُهُ وَكَمَالُهُ؛ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَالْقُلُوبُ فِيهَا أَقْوَى الْأَسْبَابِ لِمَعْرِفَةِ بَارِيهَا وَالْإِقْرَارِ بِهِ وَأَمَرَ بِالْعِلْمِ وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ مَعْرِفَتُهَا وَمَحَبَّتُهَا؛ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ مَعْرُوفًا وَنَهَى عَنْ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ وَعَنْ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُنْكِرُهَا الْقُلُوبُ وَإِنَّ مَا يَفْعَلُ الْآدَمِيُّ الشَّرَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لِجَهْلِهِ بِهِ أَوْ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَشْتَهِيهِ وَيَلْتَذُّ بِوُجُودِهِ أَوْ يَسْتَضِرُّ بِعَدَمِهِ وَالْجَهْلُ عَدَمُ الْعِلْمِ فَمَا كَانَ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ سَبَبُهُ الْجَهْلُ فَلِعَدَمِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَمَا كَانَ سَبَبُهُ الْحَاجَةَ مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ نَفْرَةٍ فَلِعَدَمِ الْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي يَقْتَضِي حَاجَتَهُ مِثْلَ أَنْ يَزْنِيَ لِعَدَمِ اسْتِعْفَافِهِ بِالنِّكَاحِ الْمُبَاحِ أَوْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ الْحَرَامَ لِعَدَمِ اسْتِعْفَافِهِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْمُبَاحِ وَإِلَّا فَإِذَا فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ الَّذِي يُغْنِيهِ عَنْ الْحَرَامِ لَمْ يَقَعْ فِيهِ. فَثَبَتَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ خَلَقَ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ سَبَبَهُ وَمُقْتَضِيَهُ وَأَنَّ الْمَنْهِيَّ