فَإِنَّ حَرْفَ الِاسْتِفْهَامِ إذَا دَخَلَ عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ كَانَ تَقْرِيرًا كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. بِخِلَافِ اسْتِفْهَامِ فِرْعَوْنَ فَإِنَّهُ اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ لَا تَقْرِيرَ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا أَدَاةُ الِاسْتِفْهَامِ فَقَطْ وَدَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ إنْكَارٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ وَالْإِقْرَارُ بِهِ ثَابِتًا فِي كُلِّ فِطْرَةٍ فَكَيْفَ يُنْكِرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ النُّظَّارِ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ عَلَى الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ؟ فَيُقَالُ أَوَّلًا: أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ فِي الْإِسْلَامِ بِإِنْكَارِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ الَّذِي اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى ذَمِّهِ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْقَدَرِيَّةِ. وَهُمْ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ مِنْ أَضَلِّ الطَّوَائِفِ وَأَجْهَلِهِمْ. وَلَكِنْ انْتَشَرَ كَثِيرٌ مِنْ أُصُولِهِمْ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ يُوَافِقُونَ السَّلَفَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا خَالَفَهُمْ فِيهِ سَلَفُهُمْ الْجَهْمِيَّة. فَصَارَ بَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ صَدَرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا صَدَرَ أَوَّلًا عَمَّنْ ذَمَّهُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ.
الثَّانِي: أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقُومُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْإِرَادَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ مَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ قِيَامَ الصِّفَةِ بِالنَّفْسِ غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute