فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ} فَهَذَا فِيهِ النَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الشَّرَابِ فَقَالَ الرَّجُلُ: الْقَذَاةُ أَرَاهَا فِي الْإِنَاءِ؟ فَقَالَ: أَهْرِقْهَا قَالَ: فَإِنِّي لَا أُرْوَى عَنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ: قَالَ: فَأَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيك} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. فَلَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشُّرْبِ بِنَفَسِ وَاحِدٍ؛ وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنِّي لَا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ قَالَ: {أَبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيك} أَيْ لِتَتَنَفَّسْ إذَا احْتَجْت إلَى النَّفَسِ خَارِجَ الْإِنَاءِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رُوِيَ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى النَّفَسِ جَازَ. وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْجَبَ التَّنَفُّسَ وَحَرَّمَ الشُّرْبَ بِنَفَسِ وَاحِدٍ. وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا كَانَ {يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ} وَلَوْ بَدَأَ فِي الطِّهَارَةِ بِمَيَاسِرِهِ قَبْلَ مَيَامِنِهِ كَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ وَكَانَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ.
وَأَمَّا " الشُّرْبُ قَائِمًا " فَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِالنَّهْيِ وَأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِالرُّخْصَةِ؛ وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَذُكِرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد؛ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنْ تُحْمَلَ الرُّخْصَةُ عَلَى حَالِ الْعُذْرِ. فَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مِثْلُهَا فِي الصَّحِيحِ " {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا} وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute