للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْكُلِّيَّةَ وَالْجُزْئِيَّةَ. وَقَدْ عُلِمَ انْتِفَاءُ فَائِدَتِهِ فَانْتِفَاءُ فَائِدَةِ فُرُوعِهِ الَّتِي لَا تُفِيدُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَيْهِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَمْ يَزَلْ فِيهَا مَنْ يَتَفَطَّنُ لِمَا فِي كَلَامِ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْ الْبَاطِلِ وَيَرُدُّهُ. وَهُمْ لِمَا هَدَاهُمْ اللَّهُ بِهِ يَتَوَافَقُونَ فِي قَبُولِ الْحَقِّ وَرَدِّ الْبَاطِلِ رَأْيًا وَرِوَايَةً مِنْ غَيْرِ تَشَاعُرٍ وَلَا تَوَاطُؤٍ. وَهَذَا الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ النُّظَّارُ يُوَافِقُ مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْقِيَاسِ الْمَنْطِقِيِّ بَلْ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ تَطْوِيلًا وَتَكْثِيرًا لِلْفِكْرِ وَالنَّظَرِ وَالْكَلَامِ بِلَا فَائِدَةٍ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَضَايَا الْكُلِّيَّةَ الْعَامَّةَ لَا تُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيَّةً عَامَّةً وَإِنَّمَا تَكُونُ كُلِّيَّةً فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَأَمَّا الْمَوْجُودَاتُ فِي الْخَارِجِ فَهِيَ أُمُورٌ مُعَيَّنَةٌ كُلُّ مَوْجُودٍ لَهُ حَقِيقَةٌ تَخُصُّهُ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَمَّا سِوَاهُ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْقِيَاسِ عَلَى خُصُوصِ وُجُودٍ مُعَيَّنٍ وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ وَقَائِلُونَ إنَّ الْقِيَاسَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كُلِّيٍّ. فَإِذًا الْقِيَاسُ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ أَمْرٍ مَوْجُودٍ بِعَيْنِهِ. وَكُلُّ مَوْجُودٍ فَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فَلَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ شَيْءٍ مِنْ حَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ أُمُورًا كُلِّيَّةً مُطْلَقَةً مُقَدَّرَةً فِي الْأَذْهَانِ لَا مُحَقَّقَةً فِي الْأَعْيَانِ. فَمَا يَذْكُرُهُ النُّظَّارُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقِيَاسِيَّةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا بَرَاهِينَ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ لَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى عَيْنِهِ. وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ مُطْلَقٍ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ.