فَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ: فَمَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ وَلَكِنَّ الْوَقُودَ فِي مَقَرِّهِ لَا يَكُونُ مُخْتَلِطًا بَلْ رَمَادُ كُلِّ نَجَاسَةٍ يَبْقَى فِي حَيِّزِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اشْتَبَهَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ كَاشْتِبَاهِ أُخْتِهِ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ الْمَيْتَةِ بِالْمُذَكَّاةِ اجْتَنَبَهُمَا جَمِيعًا. وَلَوْ اشْتَبَهَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ: فَقِيلَ: يَتَحَرَّى لِلطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ النَّجِسُ نَجِسَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ بَوْلًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَتَحَرَّى؛ بَلْ يَجْتَنِبُهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَد وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى إذَا كَانَتْ الْآنِيَةُ أَكْبَرَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد. وَفِي تَقْدِيرِ الْكَبِيرِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ فَهُنَا أَيْضًا اشْتَبَهَتْ الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ بِالطَّاهِرَةِ فَاشْتَبَهَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ. قِيلَ: هَذَا صَحِيحٌ وَلَكِنَّ مَسْأَلَتَنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ اجْتَنَبَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُمَا لَزِمَ اسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ قَطْعًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَاطِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ كَالنَّجَاسَةِ إذَا ظَهَرَتْ فِي الْمَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كَانَ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ؛ وَهُمَا مُسْتَوَيَانِ فِي الْحُكْمِ فَلَيْسَ اسْتِعْمَالُ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ هَذَا؛ فَيُجْتَنَبَانِ جَمِيعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute