كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ؟ وَهَلْ يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ حَلَفَ بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ مِنْ الطَّاعَاتِ - كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الطَّاعَاتِ بَلْ يَجْزِيه كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ وَيَقُولُونَ فِيمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ؛ بَلْ يُبْغِضُهُ: إنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ حَلَفَ بِهِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كُفْرٌ وَلَا إسْلَامٌ. فَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ وَفِعْلُهُ لَمْ يَصِرْ يَهُودِيًّا بِالِاتِّفَاقِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " " أَحَدُهُمَا " يَلْزَمُهُ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ. " وَالثَّانِي " لَا يَلْزَمُهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَد؛ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا إذَا حَنِثَ وَحَلَفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِلْكُفْرِ. وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: لَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْكُفْرُ؛ فَلِبُغْضِهِ لَهُ حَلَفَ بِهِ. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِفَرْطِ بُغْضِهِ لَهُ. وَبِهَذَا فَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ " نَذْرِ التَّبَرُّرِ " و " نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ " قَالُوا: لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَصْدُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ؛ بِخِلَافِ الثَّانِي. فَإِذَا قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute