وَ " تَحْقِيقُ الْأَمْرِ " أَنَّ قَوْلَنَا: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. وَأَضْدَادُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِنَا: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَمَّا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُهُ إلَّا بِهِ. فَإِنَّ وُجُودَ الْمَأْمُورِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ لَوَازِمِهِ وَانْتِفَاءَ أَضْدَادِهِ، بَلْ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ كَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ وَانْتِفَاءَ أَضْدَادِهِ وَعَدَمَ النَّهْيِ عَنْهُ؛ بَلْ وَعَدَمُ كُلِّ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ مَلْزُومَاتِهِ وَإِذَا كَانَ لَا يَعْدَمُ إلَّا بِضِدِّ يَخْلُقُهُ كَالْأَكْوَانِ فَلَا بُدَّ عِنْدَ عَدَمِهِ مِنْ وُجُودِ بَعْضِ أَضْدَادِهِ فَهَذَا حَقٌّ فِي نَفْسِهِ؛ لَكِنْ هَذِهِ اللَّوَازِمُ جَاءَتْ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ الْأَمْرَ. وَالْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ قَصْدًا وَمَا يَلْزَمُهُ فِي الْوُجُودِ. (فَالْأَوَّلُ) هُوَ الَّذِي يُذَمُّ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ بِخِلَافِ (الثَّانِي) فَإِنَّ مَنْ أُمِرَ بِالْحَجِّ أَوْ الْجُمْعَةِ وَكَانَ مَكَانَهُ بَعِيدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، وَالْقَرِيبُ يَسْعَى مِنْ الْمَكَانِ الْقَرِيبِ فَقَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَاتِ مِنْ لَوَازِمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَمَعَ هَذَا فَإِذَا تُرِكَ هَذَانِ الْجُمْعَةُ وَالْحَجُّ لَمْ تَكُنْ عُقُوبَةُ الْبَعِيدِ أَعْظَمَ مِنْ عُقُوبَةِ الْقَرِيبِ بَلْ ذَلِكَ بِالْعَكْسِ أَوْلَى مَعَ أَنَّ ثَوَابَ الْبَعِيدِ أَعْظَمُ فَلَوْ كَانَتْ اللَّوَازِمُ مَقْصُودَةً لِلْأَمْرِ لَكَانَ يُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا فَكَأَنْ يَكُونُ عُقُوبَةُ الْبَعِيدِ أَعْظَمَ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. وَهَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ أَضْدَادِهِ، لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute