للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَغَيْرُ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ وَأَهْلِ الْفَلْسَفَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَوْجُودَةٌ فِي أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ عَنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد فِي " الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ لَفْظَ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ؛ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّمَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْحَرَكَةِ عَلَى الْحَرَكَةِ الْمَكَانِيَّةِ وَهُوَ انْتِقَالُ الْجِسْمِ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ فَرَغَ الْحَيِّزُ الْأَوَّلُ وَشُغِلَ الثَّانِي: كَحَرَكَةِ أَجْسَامِنَا مِنْ حَيِّزٍ إلَى حَيِّزٍ وَحَرَكَةِ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَالسَّحَابِ مِنْ حَيِّزٍ إلَى حَيِّزٍ؛ بِحَيْثُ يَفْرَغُ الْأَوَّلُ وَيُشْغَلُ الثَّانِي؛ فَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَعْرِفُونَ لِلْحَرَكَةِ مَعْنًى إلَّا هَذَا. وَمِنْ هُنَا نَفَوْا مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ أَنْوَاعِ جِنْسِ الْحَرَكَةِ؛ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ جَمِيعَهَا إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَكَذَلِكَ مَنْ أَثْبَتَهَا وَفَهِمَ مِنْهَا كُلَّهَا هَذَا كَاَلَّذِينَ فَهِمُوا مِنْ نُزُولِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا أَنَّهُ يَبْقَى فَوْقَهُ بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَلَا يَكُونُ هُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِحَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْفَلَاسِفَةُ يُطْلِقُونَ لَفْظ " الْحَرَكَةِ " عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ تَحَوُّلٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. وَيَقُولُونَ أَيْضًا: حَقِيقَةُ الْحَرَكَةِ هِيَ الْحُدُوثُ أَوْ الْحُصُولُ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ يَسِيرًا يَسِيرًا بِالتَّدْرِيجِ. قَالُوا: وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ دَالَّةٌ عَلَى مَعْنَى الْحَرَكَةِ