للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفِقْهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين: فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ جَرَّدَ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ هُوَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ لَمْ يُقَسِّمْ الْكَلَامَ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ بَلْ لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِدْلَالِهِ وَتَوَسُّعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّهُ سَمَّى شَيْئًا مِنْهُ مَجَازًا وَلَا ذَكَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ ذَلِكَ؛ لَا فِي الرِّسَالَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا.

وَحِينَئِذٍ فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَشْهُورِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءِ السَّلَفِ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ كَمَا فَعَلَهُ طَائِفَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَسَلَفِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدْ يَظُنُّ طَائِفَة أُخْرَى أَنَّ هَذَا مِمَّا أُخِذَ مِنْ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ تَوْقِيفًا وَأَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا مَجَازٌ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَكَانَ هَذَا مِنْ جَهْلِهِمْ بِكَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَمَا يَظُنُّ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كالرَّازِي وَالْآمِدِيَّ وَابْنِ الْحَاجِبِ: هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَلَا يَعْرِفُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ الْمُوَافِقِ لِطَرِيقِ أَئِمَّتِهِمْ فَهَذَا أَيْضًا مِنْ جَهْلِهِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِ. وَإِنْ قَالَ النَّاقِلُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ: مُرَادِي بِذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَأَصْحَابِ