للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّلَفِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ وَإِنْ كَانَ عَامَّةُ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْرِفُوا الْقَوْلَ السَّدِيدَ قَوْلَ السَّلَفِ؛ بَلْ وَلَا سَمِعُوهُ وَلَا وَجَدُوهُ فِي كِتَابٍ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي يَتَدَاوَلُونَهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَدَاوَلُونَ الْآثَارَ السَّلَفِيَّةَ وَلَا مَعَانِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا بِتَحْرِيفِ بَعْضِ الْمُحَرِّفِينَ لَهَا وَلِهَذَا إنَّمَا يَذْكُرُ أَحَدُهُمْ أَقْوَالًا مُبْتَدَعَةً: إمَّا قَوْلَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثَةً وَإِمَّا أَرْبَعَةً وَإِمَّا خَمْسَةً وَالْقَوْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ لَا يَذْكُرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ؛ وَلِهَذَا تَجِدُ الْفَاضِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ حَائِرًا مُقِرًّا بِالْحَيْرَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ سَبَقَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِيمَا قَالُوهُ قَوْلًا صَحِيحًا. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَ الْأَقْوَالَ " الْجَهْمِيَّة الْمَحْضَةُ الْنُّفَاةِ " الَّذِينَ لَا يُثْبِتُونَ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ فَكَانُوا يَقُولُونَ أَوَّلًا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُ بَلْ خَلَقَ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ وَجَعَلَ غَيْرَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ وَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ إذَا بَقِيَ ثُلْثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟} مَعْنَاهُ أَنَّ مَلَكًا يَقُولُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا يُقَالُ: نَادَى السُّلْطَانُ أَيْ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي عَنْهُ فَإِذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ وَيَتَكَلَّمُ. قَالُوا هَذَا مَجَازٌ؛ كَقَوْلِ الْعَرَبِيِّ: