للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ قَالُوا هَذَا لَيْسَ مَعَهُمْ أَصْلٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ أَصْلًا بَلْ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةُ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا: تُبَيِّنُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ فِي أَغْلَبِ صَلَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ دَلَالَةُ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ. وَلَكِنَّ هَذَا قَالُوهُ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ} وَلَمْ يَعْرِفُوا مِقْدَارَ التَّطْوِيلِ وَلَا عَلِمُوا التَّطْوِيلَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ لَمَّا {قَالَ لِمُعَاذِ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟} فَجَعَلُوا هَذَا بِرَأْيِهِمْ قَدْرًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ - وَاجِبِهَا وَمُسْتَحَبِّهَا - لَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى غَيْرِ السُّنَّةِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَكِلْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَى آرَاءِ الْعِبَادِ. إذْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَمَّا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ فِيهِ حُكْمٌ بِالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ فِيمَا لَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [و] (١) لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى شَيْءٍ مَضَتْ بِهِ سُنَّةٌ فَيُرَدَّ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا: أَنَّ التَّخْفِيفَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ إضَافِيٌّ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الْعُرْفِ؛ إذْ قَدْ يَسْتَطِيلُ هَؤُلَاءِ مَا يَسْتَخِفُّهُ هَؤُلَاءِ وَيَسْتَخِفُّ


(١) ما بين معقوفتين غير موجود في المطبوع، ولم أقف عليه في كتاب صيانة مجموع الفتاوى من السقط والتصحيف

أسامة بن الزهراء - منسق الكتاب للموسوعة الشاملة