للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفْعَلَ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا يُحْمَلُ الْإِنْسَانُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ، وَكَمَا تُضْجَعُ الْمَرْأَةُ قَهْرًا وَتُوطَأَ فَهَذَا لَا إثْمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَإِمَّا أَنْ يُكْرَهَ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى يَفْعَلَ، فَهَذَا أَيْضًا مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْأَفْعَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَأَمَّا إذَا لَمْ يُكْرَهْ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ فَاسْتِسْلَامُهُ لِلْفِعْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ أَخِيرٌ هُوَ أَمْ شَرٌّ؟ لَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا بِهِ وَإِنْ جَرَى عَلَى يَدِهِ خَرْقُ عَادَةٍ أَوْ لَمْ يَجْرِ فَلَيْسَ هُوَ مَأْمُورًا أَنْ يَفْعَلَ إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: هَذَا السُّؤَالُ صَحِيحٌ وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ السَّالِكِينَ إذَا وَصَلُوا إلَى هَذَا الْمَقَامِ فَيَحْسُنُ قَصْدُهُمْ وَتَسْلِيمُهُمْ وَخُضُوعُهُمْ لِرَبِّهِمْ وَطَلَبِهِمْ مِنْهُ أَنْ يَخْتَارَ لَهُمْ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ إذَا اسْتَعْمَلُوا فِي أُمُورِهِمْ [مَا] (١) لَا يَعْرِفُونَ حُكْمَهُ فِي الشَّرْعِ رَجَوْا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُمْ بِحُكْمِهِ قَدْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمْ وَالْإِنْسَانُ غَيْرُ عَالِمٍ فِي كُلِّ حَالٍ بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَبِمَا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَبْقَى حَالُهُمْ حَالَ الْمُسْتَخِيرِ لِلَّهِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْ عَاقِبَتَهُ إذَا قَالَ: " {اللَّهُمَّ إنِّي أَسَتُخَيِّرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ؛ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَم؛ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي


(١) ما بين معقوفتين غير موجود في المطبوع، ولم أقف عليه في كتاب صيانة مجموع الفتاوى من السقط والتصحيف

أسامة بن الزهراء - منسق الكتاب للموسوعة الشاملة