الْإِخْوَةُ بِهَا عَصَبَةٌ صَارَ يَنْفَعُهُمْ تَارَةً وَيَضُرُّهُمْ أُخْرَى. فَهَذَا مَجْرَى " العصوبة " فَإِنَّ الْعَصَبَةَ تَارَةً يَحُوزُ الْمَالَ كُلَّهُ وَتَارَةً يَحُوزُ أَكْثَرَهُ؛ وَتَارَةً أَقَلَّهُ وَتَارَةً لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ وَهُوَ إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْفَرَائِضُ الْمَالَ. فَمَنْ جَعَلَ الْعَصَبَةَ تَأْخُذُ مَعَ اسْتِغْرَاقِ الْفَرَائِضِ الْمَالَ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْأُصُولِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْفَرَائِضِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: هُوَ اسْتِحْسَانٌ. يُقَالُ هَذَا اسْتِحْسَانٌ يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ؛ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ لِلْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ؛ حَيْثُ يُؤْخَذُ حَقُّهُمْ فَيُعْطَاهُ غَيْرُهُمْ. وَالْمُنَازِعُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُ قَوْلُ زَيْدٍ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ حَكَمَ بِهَا فَعَمِلَ بِذَلِكَ مَنْ عَمِلَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة وَغَيْرِهَا كَمَا عَمِلُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ. وَعَمِلُوا بِقَوْلِ زَيْدٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَرَائِضِ تَقْلِيدًا لَهُ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ مَعَ مَنْ خَالَفَهُ. وَبَعْضُهُمْ يَحْتَجُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {أَفْرَضُكُمْ زيد} . وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؛ لَا أَصْلَ لَهُ. وَلَمْ يَكُنْ زيد عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفًا بِالْفَرَائِضِ. حَتَّى أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ إلَّا قَوْلُهُ: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ} . وَكَذَلِكَ اتِّبَاعُهُمْ لِزَيْدِ فِي " الْجَدِّ " مَعَ أَنَّ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ. فَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ مُوَافِقُونَ لَلصِّدِّيقِ فِي أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. اخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَكَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute