للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ يُقِرُّ بِهَا عَامَّةُ الْعُقَلَاءِ حَتَّى الْفَلَاسِفَةُ يَقُولُونَ: كُلُّ كَمَالٍ فِي الْمَعْلُولِ فَهُوَ مِنْ الْعِلَّةِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَكَقَوْلِهِ {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} وَمِثْلِ قَوْلِهِ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ يَثْبُتُ لِلْمُحْدِثِ الْمَخْلُوقِ الْمُمْكِنِ فَهُوَ لِلْقَدِيمِ الْوَاجِبِ الْخَالِقِ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ. وَذَاكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ هُوَ جَعَلَهُ كَامِلًا وَأَعْطَاهُ تِلْكَ الصِّفَاتِ.

وَاسْمُهُ " الْعَلِيُّ " يُفَسَّرُ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ يُفَسَّرُ بِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ قَدْرًا فَهُوَ أَحَقُّ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ؛ وَيُفَسَّرُ بِأَنَّهُ الْعَالِي عَلَيْهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَيَعُودُ إلَى أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ الْمَقْدُورُونَ. وَهَذَا يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ خَالِقًا لَهُمْ وَرَبًّا لَهُمْ. وَكِلَاهُمَا يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ نَفْسَهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ فَوْقَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَك شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَك شَيْءٌ. وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَك شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَك شَيْءٌ}