للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَغِيبُ أَحَدُهُمْ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَدْ يُسَمُّونَ هَذَا فَنَاءً وَاصْطِلَامًا وَهَذَا فَنَاءٌ عَنْ شُهُودِ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لَا أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا فَنِيَتْ وَمَنْ قَالَ: فَنِيَ مَا لَمْ يَكُنْ وَبَقِيَ مَا لَمْ يَزَلْ فَالتَّحْقِيقُ - إذَا كَانَ صَادِقًا - أَنَّهُ فَنِيَ شُهُودُهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ وَبَقِيَ شُهُودُهُ لَمَّا لَمْ يَزَلْ لَا أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ فَنِيَ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ بَاقٍ مَوْجُودٌ؛ وَلَكِنْ يَتَوَهَّمُونَ إذَا لَمْ يَشْهَدُوهُ أَنَّهُ قَدْ عُدِمَ فِي نَفْسِهِ. وَمِنْ هُنَا دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ فَأَحَدُهُمْ قَدْ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى قَلْبِهِ ذِكْرُ اللَّهِ وَيَسْتَغْرِقَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَبْقَى لَهُ مَذْكُورٌ مَشْهُودٌ لِقَلْبِهِ إلَّا اللَّهُ وَيَفْنَى ذِكْرُهُ وَشُهُودُهُ لِمَا سِوَاهُ فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ فَنِيَتْ وَأَنَّ نَفْسَهُ فَنِيَتْ حَتَّى يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَأَنَّ الْوُجُودَ هُوَ اللَّهُ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ غَلَطُ أَبِي يَزِيدَ وَنَحْوِهِ حَيْثُ قَالَ: مَا فِي الْجُبَّةِ إلَّا اللَّهُ. وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّهُ يُعَبَّرُ بِالْفَنَاءِ عَنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: " أَحَدُهَا " أَنَّهُ يَفْنَى بِعِبَادَةِ اللَّهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ. وَبِمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ