للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُدِّرَ وُجُودُهَا مُجَرَّدًا عَنْ الْعِيَانِ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَ " الْمُثُلَ الأفلاطونية " فَتَثْبُتُ الْمَاهِيَّاتُ الْكُلِّيَّةُ مُجَرَّدَةً عَنْ الْمَوْصُوفَاتِ وَيُدَّعَى أَنَّهَا قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ مِثْلُ إنْسَانِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ وَحَيَوَانِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ وَهَذَا خَيَالٌ بَاطِلٌ. وَهَذَا الَّذِي جَعَلَهُ مُجَرَّدًا هُوَ مُجَرَّدٌ فِي الذِّهْنِ وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ كُلِّيٌّ مُجَرَّدٌ وَإِذَا قُدِّرَ ثُبُوتٌ كُلِّيٌّ مُجَرَّدٌ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ مُسَمَّى الْوُجُودِ فَهَذَا يَتَنَاوَلُ وُجُودَ الْمُحْدَثَاتِ كُلِّهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ وُجُودَ الْقَدِيمِ وَهَذَا لَا يَكُونُ مُبْدِعًا لِشَيْءِ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ فَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ؛ إذْ لَيْسَ وَصْفُهُ بِذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ جَاهِلٌ مَيِّتٌ وَالْخَالِقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْخَالِقُ فَهَذَا غَيْرُ الْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ الْمَخْلُوقَةِ فَقَدْ ثَبَتَ وُجُودَانِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ وَأَحَدُهُمَا مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ فَيَكُونُ الْآخَرُ الْخَالِقُ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ وَلَا يُمْكِنُ جَحْدُ وُجُودِ الْأَعْيَانِ الْمُعَيَّنَةِ وَلَكِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَغِيبُ عَنْ شُهُودِ الْمُغَيَّبَاتِ كَمَا يَغِيبُ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ فَيَظُنُّ أَنَّ مَا لَمْ يَشْهَدْهُ قَدْ عُدِمَ فِي نَفْسِهِ وَفَنِيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَا عُدِمَ وَفَنِيَ شُهُودُهُ لَهُ وَعِلْمُهُ بِهِ وَنَظَرُهُ إلَيْهِ فَالْمَعْدُومُ الْفَانِي صِفَةُ هَذَا الشَّخْصِ وَإِلَّا فَالْمَوْجُودَاتُ فِي نَفْسِهَا بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْمَعْدُومِ. وَعَدَمُ الْمَشْهُودِ لَيْسَ شُهُودًا لِلْعَدَمِ؛ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْحَالَ يَعْتَرِي كَثِيرًا مِنْ السَّالِكِينَ