للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا حَلِفُهُ: أَنَّ " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " عَلَى مَا يُفِيدُهُ الظَّاهِرُ وَيَفْهَمُهُ النَّاسُ مِنْ ظَاهِرِهِ: فَلَفْظَةُ " الظَّاهِرِ " قَدْ صَارَتْ مُشْتَرِكَةً؛ فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ وَاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَالدِّينِ الْقَيِّمِ وَلِسَانِ السَّلَفِ غَيْرُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِالظَّاهِرِ شَيْئًا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ مَا يَقْتَضِي نَوْعَ نَقْصٍ: بِأَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ مِثْلَ اسْتِوَاءِ الْأَجْسَامِ عَلَى الْأَجْسَامِ أَوْ كَاسْتِوَاءِ الْأَرْوَاحِ إنْ كَانَتْ لَا تَدْخُلُ عِنْدَهُ فِي اسْمِ الْأَجْسَامِ: فَقَدْ حَنِثَ فِي ذَلِكَ وَكَذَبَ؛ وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ؛ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ مِثْلِ دَاوُد الجواربي الْبَصْرِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيِّ وَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ الرَّافِضِيَّ؛ وَنَحْوِهِمْ؛ إنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؛ لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَإِنَّ مُبَايَنَتَهُ لِلْمَخْلُوقِينَ وَتَنَزُّهَهُ عَنْ مُشَارَكَتِهِمْ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْعَارِفُونَ مِنْ خَلِيقَتِهِ وَيَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ. وَإِنَّ كُلَّ صِفَةٍ تَسْتَلْزِمُ حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا غَيْرَ الْحُدُوثِ فَيَجِبُ نَفْيُهَا عَنْهُ. وَمَنْ حَكَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ قَاسَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ: فَهُوَ إمَّا كَاذِبٌ؛ أَوْ مُخْطِئٌ. وَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِالظَّاهِرِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي فِطَرِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَهْوَاءِ وَتَشَتُّتِ الْآرَاءِ؛ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى