وَالنَّهْيِ مَا يَخُصُّهُ لَا لِسَبَبِ وَلَا لِحِكْمَةِ قَطُّ بَلْ مُجَرَّدُ تَخْصِيصِ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؟ فَقَالَ بِذَلِكَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ وَوَافَقَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَأَكْثَرِ طَوَائِفِ الْكَلَامِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ كالكَرَّامِيَة وَغَيْرِهِمْ وَنَفُتْهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْأَصْلِ بَلْ يَقُولُونَ: هُوَ سُبْحَانَهُ يَخُصُّ مَا يَخُصُّ مِنْ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ لِأَسْبَابِ وَلِحِكْمَةِ لَهُ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُضَعِّفُ لِقَارِئِهَا مِقْدَارَ مَا يُعْطَاهُ قَارِئُ ثُلُثِ الْقُرْآنِ بِلَا تَضْعِيفٍ: قَوْلٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَلَا فِي الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ وَلَا حِكْمَةٌ فَإِنَّ النَّصَّ أَخْبَرَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَأَنَّ مَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَإِنْ كَانَ فِي هَذَا تَضْعِيفٌ فَفِي هَذَا تَضْعِيفٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا تَضْعِيفٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْآخَرِ فَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّضْعِيفِ تَحَكُّمٌ. ثُمَّ جَعَلَ التَّضْعِيفَ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ لِمَا اُخْتُصَّتْ بِهِ السُّورَةُ مِنْ الْفَضْلِ وَحِينَئِذٍ فَفَضْلُهَا هُوَ سَبَبُ هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى نَقْصِ ثَوَابِ سَائِرِ الْقُرْآنِ وَأَيْضًا فَهَذَا تَحَكُّمٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلَا سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ وَلَا حِكْمَةٌ فِيهِ. وَالنَّاسُ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ مِنْ جِهَةِ نَقْصِ عِلْمِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْرِ ذَلِكَ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute