وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَوْسَطُهَا وَأَعْدَلُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارِ وَتَرْكُهُ بِاعْتِبَارِ؛ فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنِّي قَائِمٌ بِكُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ وَأَنَّهُ يَقْبَلُ أَعْمَالِي لَيْسَ مَقْصُودُهُ الشَّكَّ فِيمَا فِي قَلْبِهِ فَهَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ حَسَنٌ وَقَصْدُهُ أَنْ لَا يُزَكِّيَ نَفْسَهُ وَأَنْ لَا يَقْطَعَ بِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا كَمَا أُمِرَ فَقُبِلَ مِنْهُ وَالذُّنُوبُ كَثِيرَةٌ وَالنِّفَاقُ مَخُوفٌ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْت ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَقُولُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إنَّ إيمَانَهُ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وميكائيل وَالْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ بَوَّبَ أَبْوَابًا فِي " الْإِيمَانِ وَالرَّدِّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ " وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَرِهُوا أَنْ يَقُولُ الرَّجُلُ: إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ وميكائيل - قَالَ مُحَمَّدٌ: لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ يَقِينًا - أَوْ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ أَوْ إيمَانِي كَإِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ كَإِيمَانِ هَذَا وَلَكِنْ يَقُولُ آمَنْت بِمَا آمَنَ بِهِ جِبْرِيلُ وَأَبُو بَكْرٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُجَوِّزُونَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ بِكَوْنِ الْأَعْمَالِ مِنْهُ وَيَذُمُّونَ الْمُرْجِئَةَ وَالْمُرْجِئَةُ عِنْدَهُمْ الَّذِينَ لَا يُوجِبُونَ الْفَرَائِضَ وَلَا اجْتِنَابَ الْمَحَارِمِ؛ بَلْ يَكْتَفُونَ بِالْإِيمَانِ وَقَدْ عُلِّلَ تَحْرِيمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الشَّرْطِ لَا يُوجَدُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَإِذَا عُلِّقَ الْإِيمَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute