للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} فَإِنَّ الْأَعْمَالَ فِي الزُّبُرِ كَالرَّسُولِ وَكَالْقُرْآنِ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ وَأَمَّا " الْكِتَابُ الْمَسْطُورُ فِي الرَّقِّ الْمَنْشُورِ " فَهُوَ كَمَا يُكْتَبُ الْكَلَامُ نَفْسُهُ وَالصَّحِيفَةُ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَلَهُ " أَرْبَعُ مَرَاتِبَ " فِي الْوُجُودِ: وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ: وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ: وُجُودٌ عَيْنِيٌّ وَعِلْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَرَسْمِيٌّ. وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُعْطِي الْوُجُودَيْنِ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} فَهَذَا الْوُجُودُ الْعَيْنِيُّ ثُمَّ قَالَ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَذَكَرَ أَنَّهُ أَعْطَى الْوُجُودَ الْعِلْمِيَّ الذِّهْنِيَّ وَذَكَرَ التَّعْلِيمَ بِالْقَلَمِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِتَعْلِيمِ اللَّفْظِ وَالْعِبَارَةِ وَتَعْلِيمُ اللَّفْظِ وَالْعِبَارَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَعْلِيمِ الْمَعْنَى فَدَلَّ بِذِكْرِهِ آخِرَ الْمَرَاتِبِ عَلَى أَوَّلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ أَوَّلَهَا أَوْ أَطْلَقَ التَّعْلِيمَ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقُرْآنُ كَلَامٌ وَالْكَلَامُ لَهُ " الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ " لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَقِ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى مُتَوَسِّطَةٌ؛ بَلْ نَفْسُ الْكَلَامِ يَثْبُتُ فِي الْكِتَابِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} {فِي كِتَابٍ