للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِلَهِيَّةُ تَتَضَمَّنُ الرُّبُوبِيَّةَ؛ وَالرُّبُوبِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ الْإِلَهِيَّةَ؛ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا تَضَمَّنَ الْآخَرَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ الِاقْتِرَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} {مَلِكِ النَّاسِ} {إلَهِ النَّاسِ} وَفِي قَوْلِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَجَمَعَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ: اسْمِ الْإِلَهِ وَاسْمِ الرَّبِّ. فَإِنَّ " الْإِلَهَ " هُوَ الْمَعْبُودُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ. وَ " الرَّبُّ " هُوَ الَّذِي يُرَبِّي عَبْدَهُ فَيُدَبِّرُهُ. وَلِهَذَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِاسْمِهِ اللَّهِ وَالسُّؤَالُ مُتَعَلِّقًا بِاسْمِهِ الرَّبِّ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ الْغَايَةُ الَّتِي لَهَا خُلِقَ الْخَلْقُ. وَالْإِلَهِيَّةُ هِيَ الْغَايَةُ؛ وَالرُّبُوبِيَّةُ تَتَضَمَّنُ خَلْقَ الْخَلْقِ وَإِنْشَاءَهُمْ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ ابْتِدَاءَ حَالِهِمْ؛ وَالْمُصَلِّي إذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فَبَدَأَ بِالْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ عَلَى الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَايَةُ؛ فَالْعِبَادَةُ غَايَةٌ مَقْصُودَةٌ؛ وَالِاسْتِعَانَةُ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا: تِلْكَ حِكْمَةٌ وَهَذَا سَبَبٌ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلَّةِ الغائية وَالْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ مَعْرُوفٌ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: أَوَّلُ الْفِكْرَةِ آخِرُ الْعَمَلِ وَأَوَّلُ الْبُغْيَةِ آخِرُ الدَّرَكِ. فَالْعِلَّةُ الغائية مُتَقَدِّمَةٌ فِي التَّصَوُّرِ وَالْإِرَادَةِ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الْوُجُودِ. فَالْمُؤْمِنُ يَقْصِدُ عِبَادَةَ اللَّهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِعَانَتِهِ فَيَقُولُ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . وَلَمَّا كَانَتْ الْعِبَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى جَاءَتْ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ بِهَذَا الِاسْمِ مِثْلَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. وَمِثْلُ الشَّهَادَتَيْنِ: