للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِمَّا قَائِلٌ يَقُولُ: دَقَّتْ عَلَيْنَا عِلَلُهُ وَأَسْبَابُهُ وَخَفِيَتْ عَلَيْنَا مَسَالِكُهُ وَمَذَاهِبُهُ وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا يُزَكِّينَا وَيُعَلِّمُنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ بَعَثَهُ إلَيْنَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ شَيْئًا فَإِنَّمَا نَصْنَعُ مَا رَأَيْنَاهُ يَصْنَعُ وَالسُّنَّةُ لَا تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ وَلَا تُعَارَضُ بِآرَاءِ الرِّجَالِ وَالدِّينِ لَيْسَ بِالرَّأْيِ وَيَجِبُ أَنْ يُتَّهَمَ الرَّأْيُ عَلَى الدِّينِ وَالْقِيَاسُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ مُمْتَنِعٌ بِاتِّفَاقِ أُولِي الْأَلْبَابِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: هَذَا كُلُّهُ مَدَارُهُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُفْتَرِقَيْنِ فَإِنَّ رِيحَ الْمُحَرَّمِ خَبِيثَةٌ وَأَمَّا رِيحُ الْمُبَاحِ فَمِنْهُ مَا قَدْ يُسْتَطَابُ: مِثْلَ أَرْوَاثِ الظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا. وَمَا لَمْ يَسْتَطِبْ مِنْهُ فَلَيْسَ رِيحُهُ كَرِيحِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ خَلْقُهُ غَالِبًا فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ الْمُبَاحِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِيقَةِ الْمَسْأَلَةِ وَسَنَعُودُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِهَا.

الدَّلِيلُ الثَّانِي: الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ وَغَيْرُهُمْ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ {أَنَّ نَاسًا مَنَّ عُكْلٍ أَوْ عُرَينة قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَقَاحِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ} . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَوَجْهُ الْحُجَّةِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ فِي شُرْبِ الْأَبْوَالِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ أَفْوَاهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ وَثِيَابَهُمْ وَآنِيَتَهُمْ فَإِذَا كَانَتْ