للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِثْلِ هَذَا هُوَ تَعَدِّي الْحَدِّ الْفَاصِلِ لَكِنْ لَمَّا اعْتَدَى صَاحِبُهُ جَازَ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ وَالِاعْتِدَاءُ الْأَوَّلُ ظُلْمٌ وَالثَّانِي مُبَاحٌ وَلَفْظُ عَدْلٍ مُبَاحٌ. وَلَفْظُ الِاعْتِدَاءِ هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْعُدْوَانِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ ظُلْمٌ فَإِذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْجَزَاءِ فُهِمَ مِنْهُ الِابْتِدَاءُ: إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يُقَابِلُهُ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ؟ فَيُقَالُ: السَّيِّئَةُ اسْمٌ لِمَا سَبَقَ صَاحِبُهَا فَإِنْ فُعِلَتْ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ وَالْقِصَاصِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِمَا فُعِلَ مَعَهُ مِنْ السَّيِّئَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَسْبِقُ الْفَاعِلَ حَتَّى يُنْهَى عَنْهَا بَلْ تَسْبِقُ الْمُجَازَى بِهَا وَلَفْظُ السَّيِّئَةِ وَالْحَسَنَةِ يُرَادُ بِهِ الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ؛ وَيُرَادُ بِهِ النِّعْمَةُ وَالْمُصِيبَةُ كَقَوْلِهِ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} وَقَوْلِهِ: {إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} ؟ وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ} لَمْ يُرِدْ بِهِ كُلَّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ جَزَاءُ مَنْ أَسَاءَ إلَى غَيْرِهِ بِظُلْمِ فَهِيَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمُصَابِ فَجَزَاؤُهَا أَنْ يُصَابَ الْمُسِيءُ بِسَيِّئَةٍ مِثْلِهَا كَأَنَّهُ قِيلَ: جَزَاءُ مَنْ أَسَاءَ إلَيْك أَنْ تُسِيءَ إلَيْهِ مِثْلَ مَا أَسَاءَ إلَيْك وَهَذِهِ سَيِّئَةٌ حَقِيقَةً.