وَقَدْ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: {إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ. فَقَالَ طَلِّقْهَا. فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا. قَالَ: فَاسْتَمْتِعْ بِهَا} الْحَدِيثُ. رَوَاهُ النَّسَائِي وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا؛ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤَوِّلُ " اللَّامِسَ " بِطَالِبِ الْمَالِ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ. لَكِنَّ لَفْظَ " اللَّامِسِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَنْ مَسَّهَا بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فَإِنَّ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَكُونُ فِيهَا تَبَرُّجٌ وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهَا رَجُلٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لَمْ تَنْفِرْ عَنْهُ. وَلَا تُمَكِّنُهُ مِنْ وَطْئِهَا. وَمِثْلُ هَذِهِ نِكَاحُهَا مَكْرُوهٌ؛ وَلِهَذَا أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُحِبُّهَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنَّهَا مُذْنِبَةٌ بِبَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ: فَجَعَلَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ فَقَطْ وَلَفْظُ " اللَّمْسِ وَالْمُلَامَسَةِ " إذَا عُنِيَ بِهِمَا الْجِمَاعُ لَا يُخَصُّ بِالْيَدِ بَلْ إذَا قُرِنَ بِالْيَدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} . وَأَيْضًا فَاَلَّتِي تَزْنِي بَعْدَ النِّكَاحِ لَيْسَتْ كَاَلَّتِي تَتَزَوَّجُ وَهَى زَانِيَةٌ؛ فَإِنَّ دَوَامَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ ابْتِدَائِهِ. وَإِلَّا حَرَامٌ أَوْ الْعُدَّةُ تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الدَّوَامِ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ فِرَاقُهَا لَكَانَ الزِّنَا كَالْعِدَّةِ تَمْنَعُ الِابْتِدَاءَ دُونَ الدَّوَامِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. " فَإِنْ قِيلَ " مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ؟ " قِيلَ ": الْمُتَزَوِّجُ بِهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَهُوَ زَانٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَهُوَ كَافِرٌ. فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولَ مِنْ تَحْرِيمِ هَذَا وَفَعَلَهُ فَهُوَ زَانٍ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute