صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَيَّنَ لَهُ قَطْعًا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُنْتَظِمَ لِلتَّيْسِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْبَهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمُنْتَظِمِ لِلتَّعْسِيرِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبِّ عَلَى بَوْلِهِ قَالَ: {إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ} . وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ خَالَفَهُمْ يَقُولُ: إنَّهُ يُغْسَلُ وَلَا يُجْزِئُ الصَّبُّ وَرَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مُرْسَلًا لَا يَصِحُّ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ لِكَسْبِهِ؛ كَالْمَأْخُوذِ ظُلْمًا بِأَنْوَاعِ الْغَصْبِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْقَهْرِ؛ وَكَالْمَأْخُوذِ بِالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ؛ وَكَالْمَأْخُوذِ عِوَضًا عَنْ عَيْنٍ أَوْ نَفْعٍ مُحَرَّمٍ؛ كَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالدَّمِ؛ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ؛ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ: فَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَعْدَلِ الْمَذَاهِبِ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الظُّلْمِ وَمَا يَسْتَلْزِمُ الظُّلْمَ أَشَدُّ مِنْ تَحْرِيمِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ مِنْ الْمَطَاعِمِ إذْ هِيَ تُغَذِّي تَغْذِيَةً خَبِيثَةً تُوجِبُ لِلْإِنْسَانِ الظُّلْمَ كَمَا إذَا اغْتَذَى مِنْ الْخِنْزِيرِ وَالدَّمِ وَالسِّبَاعِ؛ فَإِنَّ الْمُغَذِّيَ شَبِيهٌ بِالْمُغْتَذَى بِهِ فَيَصِيرُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ بِحَسَبِ مَا اغْتَذَى مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute