يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ الْجَهْلِ ثُبُوتٌ عُلِمَ بِشَيْءِ مِنْ الْأَشْيَاءِ بَلْ كَانَ النفيان عدمين مَحْضَيْنِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ التَّفَاضُلُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؟ فَإِنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي الْعَدَمِ الْمَحْضِ وَالنَّفْيِ الصِّرْفِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ وَلَا فِيهِ كَمَالٌ وَلَا مَدْحٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّفَاضُلُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْكَمَالُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وُجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ أَوْ صِفَةٍ مَوْجُودَةٍ قَائِمَةٍ بِغَيْرِهَا. فَأَمَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ فَلَا كَمَالَ فِيهِ أَصْلًا. وَلِهَذَا إنَّمَا يَصِفُ اللَّهُ نَفْسَهُ بِصِفَاتِ التَّنْزِيهِ لَا السَّلْبِيَّةِ الْعَدَمِيَّةِ لِتَضَمُّنِهَا أُمُورًا وُجُودِيَّةً تَكُونُ كَمَا لَا يَتَمَدَّحُ سُبْحَانَهُ بِهَا كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} فَنَفْيُ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْحَيَاةِ والقيومية وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ} يَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْمُلْكِ وَالرُّبُوبِيَّةَ وَانْفِرَادَهُ بِذَلِكَ وَنَفْسُ انْفِرَادِهِ بِالْمُلْكِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَلِهَذَا كَانَتْ السُّورَةُ فِيهَا الِاسْمَانِ الْأَحَدُ الصَّمَدُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ. فَقَوْلُهُ (أَحَدٌ) يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ النَّظِيرِ وَقَوْلُهُ (الصَّمَدُ) بِالتَّعْرِيفِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالصَّمَدِيَّةِ. وَلِهَذَا جَاءَ التَّعْرِيفُ فِي اسْمِهِ الصَّمَدُ دُونَ الْأَحَدِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُوصَفُ بِهِ فِي الْإِثْبَاتِ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الصَّمَدِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي السَّيِّدَ صَمَدًا. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: الْمَلَائِكَةُ تُسَمَّى صَمَدًا وَالْآدَمِيُّ أَجْوَفُ فَقَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute