وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ وَجْهَ الدَّلِيلِ الْعِلْمُ بِلُزُومِ الْمَدْلُولِ لَهُ سَوَاءٌ سُمِّيَ اسْتِحْضَارًا أَوْ تَفَطُّنًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَمَتَى اسْتَحْضَرَ فِي ذِهْنِهِ لُزُومَ الْمَدْلُولِ لَهُ؛ عَلِمَ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ. وَهَذَا اللُّزُومُ إنْ كَانَ بَيِّنًا لَهُ. وَإِلَّا فَقَدَ يَحْتَاجُ فِي بَيَانِهِ إلَى مُقَدِّمَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَالْأَوْسَاطُ تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ النَّاسِ. فَلَيْسَ مَا كَانَ وَسَطًا مُسْتَلْزِمًا لِلْحُكْمِ فِي حَقِّ هَذَا. هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَسَطًا فِي حَقِّ الْآخَرِ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ وَسَطٌ آخَرُ فَالْوَسَطُ هُوَ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِي الْعِلْمِ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمَلْزُومِ وَهُمَا الْمَحْكُومُ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَازِمٌ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مَا دَامَ حُكْمًا لَهُ وَالْأَوَاسِطُ - الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ - مِمَّا يَتَنَوَّعُ وَيَتَعَدَّدُ بِحَسَبِ مَا يَفْتَحُهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ الْهِدَايَةِ كَمَا إذَا كَانَ الْوَسَطُ خَبَرًا صَادِقًا فَقَدْ يَكُونُ الْخَبَرُ لِهَذَا غَيْرَ الْخَبَرِ لِهَذَا. وَإِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ وَثَبَتَ عِنْدَ دَارِ السُّلْطَانِ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فَأَشَاعُوا ذَلِكَ فِي الْبَلَدِ فَكُلُّ قَوْمٍ يَحْصُلُ لَهُمْ الْعِلْمُ بِخَبَرِ مِنْ غَيْرِ الْمُخْبِرِينَ الَّذِينَ أَخْبَرُوا غَيْرَهُمْ. وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الَّذِي بُلِّغَهُ النَّاسُ عَنْ الرَّسُولِ بُلِّغَ كُلُّ قَوْمٍ بِوَسَائِطَ غَيْرِ وَسَائِطِ غَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ. فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مُقْرِئُونَ وَمُعَلِّمُونَ وَلِهَؤُلَاءِ مُقْرِئُونَ وَمُعَلِّمُونَ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ وَسَائِطُ وَهُمْ الْأَوْسَاطُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَةِ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ وَفَعَلَهُ وَهُمْ الَّذِينَ دَلُّوهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَخْبَارِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ. وَكَذَلِكَ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي تُنَالُ بِالْعَقْلِ أَوْ الْحِسِّ إذَا نَبَّهَ عَلَيْهَا مُنَبِّهٌ أَوْ أَرْشَدَ إلَيْهَا مُرْشِدٌ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْوَسَطَ فِي اللَّوَازِمِ هُوَ الْوَسَطَ فِي نَفْسِ ثُبُوتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute