وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَغَيْرِهِمَا. وَمَذْهَبُهُ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ. وَمَذْهَبُهُمْ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ فَلَمْ يَجْمَعْ النَّاسُ الْيَوْمَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ؛ بَلْ الْقَائِلُونَ بِهِ كَثِيرٌ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَرْقٌ فِي الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ بَيْنَ شَخْصٍ وَشَخْصٍ. فَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِي وَالثَّوْرِيُّ: هَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ فِي زَمَانِهِمْ وَتَقْلِيدُ كُلٍّ مِنْهُمْ كَتَقْلِيدِ الْآخَرِ؛ لَا يَقُولُ مُسْلِمٌ إنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ هَذَا دُونَ هَذَا وَلَكِنْ مَنْ مَنَعَ مِنْ تَقْلِيدِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَعْرِفُ مَذَاهِبَهُمْ وَتَقْلِيدُ الْمَيِّتِ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ. فَمَنْ مَنَعَهُ قَالَ هَؤُلَاءِ مَوْتَى وَمَنْ سَوَّغَهُ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَحْيَاءِ مَنْ يَعْرِفُ قَوْلَ الْمَيِّتِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: الْإِجْمَاعُ الْيَوْمَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ وَيَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْصَارِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ أَوْ أَهْلُ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَكُونُ هَذَا إجْمَاعًا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْخِلَافَ؟ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَمَنْ قَالَ: إنَّ مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي لَا يَسُوغُ الْأَخْذُ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ وَاعْتَقَدَ أَنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ يُرَكَّبُ مِنْ هَذَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute