للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ:

فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ بَيِّنَةٌ فِي مُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ لَا يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؛ لَا مُوسَى وَلَا عِيسَى وَلَا غَيْرِهِمَا: فَلِلْمُخَاطَبَةِ طُرُقٌ مِنْهَا: أَنَّ نَسْلُكَ فِي الْكَلَامِ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ - مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالصَّابِئِينَ والمتفلسفة والبراهمة وَغَيْرِهِمْ - نَظِيرَ الْكَلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. فَنَقُولُ: مِنْ الْمَعْلُومِ لِكُلِّ عَاقِلٍ لَهُ أَدْنَى نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ: أَنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ أَكْمَلُ فِي الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ مِمَّنْ لَيْسَ مَنْ أَهْلِ الْمِلَلِ؛ فَمَا مِنْ خَيْرٍ يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ أَهْلِ الْمِلَلِ: إلَّا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ وَعِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلُومَ وَالْأَعْمَالَ نَوْعَانِ:

نَوْعٌ يَحْصُلُ بِالْعَقْلِ: كَعِلْمِ الْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَكَالصِّنَاعَةِ مِنْ الْحِيَاكَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ كَمَا هِيَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ؛ بَلْ هُمْ فِيهَا أَكْمَلُ فَإِنَّ عُلُومَ الْمُتَفَلْسِفَةِ - مِنْ عُلُومِ الْمَنْطِقِ وَالطَّبِيعَةِ وَالْهَيْئَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - مِنْ مُتَفَلْسِفَةِ الْهِنْدِ وَالْيُونَانِ وَعُلُومِ فَارِسٍ وَالرُّومِ؛ لَمَّا صَارَتْ إلَى الْمُسْلِمِينَ: هَذَّبُوهَا وَنَقَّحُوهَا؛ لِكَمَالِ عُقُولِهِمْ وَحُسْنِ أَلْسِنَتِهِمْ وَكَانَ