للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى وَجْهِهِ كَالْوَاقِفِ عَلَى حَرْفِ الْجَبَلِ فَسُمِّيَتْ حُرُوفُ الْكَلَامِ حُرُوفًا لِأَنَّهَا طَرَفُ الْكَلَامِ وَحَدُّهُ وَمُنْتَهَاهُ إذْ كَانَ مَبْدَأُ الْكَلَامِ مِنْ نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ وَمُنْتَهَاهُ حَدُّهُ وَحَرْفُهُ الْقَائِمُ بِشَفَتَيْهِ وَلِسَانِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} فَلَفْظُ الْحَرْفِ يُرَادُ بِهِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا. ثُمَّ إذَا كُتِبَ الْكَلَامُ فِي الْمُصْحَفِ سَمَّوْا ذَلِكَ حُرُوفًا فَيُرَادُ بِالْحَرْفِ الشَّكْلُ الْمَخْصُوصُ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ شَكْلٌ مَخْصُوصٌ هِيَ خُطُوطُهُمْ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ وَيُرَادُ بِهِ الْمَادَّةُ وَيُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُهَا وَهَذِهِ الْحُرُوفُ الْمَكْتُوبَةُ تُطَابِقُ الْحُرُوفَ الْمَنْطُوقَةَ وَتُبَيِّنُهَا وَتَدُلُّ عَلَيْهَا فَسُمِّيَتْ بِأَسْمَائِهَا؛ إذْ كَانَ الْإِنْسَانُ يَكْتُبُ اللَّفْظَ بِقَلَمِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلَى قَوْلِهِ: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ فِي أَوَّلِ مَا أَنْزَلَهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ الْهَادِي الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَاَلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى كَمَا قَالَ مُوسَى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} فَالْخَلْقُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ ثُمَّ خَصَّ الْإِنْسَانَ فَقَالَ: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} . ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ عَلَّمَ؛ فَإِنَّ الْهُدَى وَالتَّعْلِيمَ هُوَ كَمَالُ الْمَخْلُوقَاتِ. وَالْعِلْمُ لَهُ " ثَلَاثُ مَرَاتِبَ " عِلْمٌ بِالْجَنَانِ وَعِبَارَةٌ بِاللِّسَانِ وَخَطٌّ