للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ بِكَذَا. فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَعْقِدُهُ بِهِ وَأُلْصِقُهُ بِهِ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْمُصَاحِبُ " حَلِيفًا " كَمَا كَانَ يُقَالُ لِعُثْمَانِ: " حَلِيفُ الْمِحْرَابِ " وَعِلَّتُهُ لَا يَتَخَلَّفُ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْبَاءَ لِإِلْصَاقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ؛ وَإِنَّمَا أَتَى بِلَامِ الْقَسَمِ تَوْكِيدًا ثَانِيًا كَأَنَّهُ قَالَ: أُلْصِقُ وَأَعْتَقِدُ بِاَللَّهِ مَضْمُونَ قَوْلِي لَأَفْعَلَنَّ. وَلِهَذَا سُمِّيَ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ " تَحِلَّةً " لِأَنَّهُ يَحِلُّ هَذَا الْعَقْدَ الَّذِي عُقِدَ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ مِثْلَ فَسْخِ الْبَيْعِ الَّذِي يَحِلُّ مَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الِانْعِقَادِ. فَالشَّارِعُ جَعَلَ الْأَيْمَانَ مِنْ بَابِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ بِهَذَا الْبَدَلِ؛ لَا مِنْ اللَّازِمَةِ مُطْلَقًا كَمَا كَانَ الْعَقْدُ بَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَحْلُوفِ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ سَوَّغَ سُبْحَانَهُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَحِلَّ هَذَا الْعَقْدَ الَّذِي عُقِدَ لِي وَبِي بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةٌ وَقُرْبَةٌ وَكَانَ الْعَبْدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ تَمَامِ عَقْدِهِ وَبَيْنَ حَلِّهِ بِالْبَدَلِ الْمَشْرُوعِ؛ إذْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي عَقَدَ هَذَا الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُخَيَّرِينَ بَيْنَ الصِّيَامِ الَّذِي أَوْجَبَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ بِالْكَفَّارَةِ وَكَمَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُنْشِئَ لِلْحَجِّ سَفَرًا وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ بِهَدْيِ التَّمَتُّعِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إكْمَالِ الْحَجِّ بِالسَّفَرِ أَوْ بِالْهَدْيِ. وَلِهَذَا قُلْنَا: لَيْسَ جبرانا. لِأَنَّ دَمَ الْجُبْرَانِ لَا يُخَيَّرُ فِي سَبَبِهِ كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ هَدْيٌ وَاجِبٌ كَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ