للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فِي الْحَيَاةِ كَانَ طَاهِرًا كَالشَّاةِ وَالْفَأْرَةِ وَشَعْرُ مَا هُوَ نَجِسٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ نَجِسٌ: كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَنْصُوصَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ طَهَارَةُ الشُّعُورِ كُلِّهَا: شَعْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الرِّيقِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ شَعْرُ الْكَلْبِ رَطْبًا وَأَصَابَ ثَوْبَ الْإِنْسَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَجُوزُ تَنْجِيسُ شَيْءٍ وَلَا تَحْرِيمُهُ إلَّا بِدَلِيلِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ} . وَفِي السُّنَنِ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مَرْفُوعًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْقُوفًا أَنَّهُ قَالَ: {الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ} . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ} وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: {إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ} . فَأَحَادِيثُهُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا ذِكْرُ الْوُلُوغِ لَمْ يَذْكُرْ سَائِرَ الْأَجْزَاءِ فَتَنْجِيسُهَا إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ.